حاولتُ الاتّصال بكم منذ بداية الحرب | شعر

الدفاع المدنيّ الفلسطينيّ ينتشل إحدى ضحايا القصف الإسرائيليّ على خان يونس، 19/10/2023 | أحمد حسب الله، Getty.

 

إلى فاتنة الغرّة، هبة الآغا، فداء زياد؛

 

أكاد أجزم أنّ ثلاثتكنّ وراء قطع الاتّصال بين غزّة والعالم الخارجيّ

فأنا أطلّ على تلك القلوب الثلاثة

وأعرف أنّها أرادت

- حربًا وراء حرب -

نزع الإطار عن صورة الحرب.

انظرن الآن، ماذا أحدثتْ ثلاثتكنّ

هناك حربٌ تلعب في غزّة خارج الصورة

غاضبةٌ هذه الحرب

هوجاء

بلا عقلٍ هذه الحرب

لا قلب لها منذ الأزل

بلا عينين الآن صارت

لهذا تخبط بيديها خانيونس

دير البلح

شاطئ غزّة

جباليا في الشمال

النصيرات في الوسط

رفح في الجنوب

قلعت ثلاثتكنّ عيني الحرب

وأعرف الآن أنّ هذا ليس وقت دلالٍ عليكنّ،

لكنّ أنسب الأوقات للتدللّ الوجع

فهلّا ربطتنّ ذراعي، هذه المجنونة، بشجرة الظلال

وألقيتنّ المراسي الّتي تشدّ شعرها في البحر الأبيض

وفتحتنّ بطنها

لتخرج هذه النار

ثمّ، هلّا، أعدتنّ الاتّصال

لعلّ العالم الخارجيّ يرى

ما نراه نحن منذ 76 عامًا،

ماذا يوجد في بطن الحرب

نعرفه ولا يعرفونه

أو يعرفونه وينكرون؟

 

*

 

إلى محمّد الزقزوق؛

 

ما زلتُ أضحك على طريقتك

في وصف سفرك إلى ألمانيا

هل سافرتَ حقًّا إلى هناك؟

هل كان هؤلاء وقتها

يعدّون العدّة للدخول في جريمة قطع الاتّصال بيننا؟

حاولتُ الاتّصال بك منذ بداية الحرب

لكنّك لَمْ تُجِبْ؟

قلتُ في نفسي:

محمّد بخير،

فأنا لم أقرأ اسمك بين أسماء الشهداء

وحتّى لو لم يحدث هذا لا سمح الله

فأنا أعرف رضاك يا صديقي حقّ المعرفة

أعرف كيف ترضى بكلّ شيء

بأيّ شيء

قلتَ لي في نوفمبر الماضي وأنت تعيدني من رفح إلى غزّة:

ودّوني أيّ حتّة برّة غزّة.

وكنتُ أعرف أنّك كنتَ سترجع

فأنا أعرف رضاك

لم أعثر على هذا النوع مِنَ الرضى

يا صديقي سوى بين جناحيك

فافْرِدْهما

وابْقَ في الحياة

ثمّ أجب

عندما أناديك

 

*

 

إلى سمكة السردين؛

 

ليس لديّ شكٌّ الآن يا سمكة السردين

أنّك غادرت صورة السمكة

الّتي تحتاج إلى البحر

والبحر محاصرٌ الآن

وقلتِ لي:

على مهل،

امنحيني فرصة التنقّل بين الصفات.

ثمّ طرتِ بجسدك الضئيل

ولعبتِ بالمساحة النظيفة مِنَ الرصاص

ثمّ تعبتِ

ثمّ نزلتِ

ثمّ عدتِ إلى هيئتك الأولى

بنتًا جميلةً في أواخر العشرين

عمرها أكبر منها

تريد أن تحيا حياةً طويلةً

بالحبّ

فمَنْ غيرك يا صديقتي الصغيرة

يليق بها الحبّ

وتليق بها الحياة؟

 

*

 

إلى أكرم الصوراني؛

 

أريد أن أسمع صوتك يا صديقي،

في الحقيقة إنّ أيّ رسالةٍ مشفّرةٍ منك لن تفي بالغرض

فسخريتك لم تكن بالكلمات فقط

كانت معبّأةً في صوتك الشوال

وفي ضحكتك الخاصّة

حين تجعلها على ذلك النحو

النحو الّذي لا يفي وصفه بالغرض

ضحكتك يا أكرم

الّتي تقع علينا

نحن أصدقاءك

فتقتلنا مِنَ الضحك

فعُدْ مِنْ هذا الاختباء

عُدْ

واقتلنا مِنَ الضحك

 

*

 

إلى عثمان حسين؛

 

ماذا تفعل الآن؟

بماذا تسلّي نفسك يا صديقي؟

هل تتابع لعب الأطفال في الحيّ

وتنادي عليهم:

عودوا بسرعةٍ

فيعودون بسرعة

أسرع مِنَ الرصاص؟

وهل تقرأ لك بهيّة الشعر؟

أتدري،

أريد أن أعرف ماذا اختارت بهيّة لتقرأه لك

أو ماذا اخترتَ لبهيّة لتُسْمِعَكَ إيّاه؟

هذا لن يوقف الحرب أبدًا

أنا وأنت نعرف جيّدًا

أنّ الشعر لا يوقف الحرب

هذا بمثابة رسالةٍ بين قلبين

ليس إلّا

في وقت انقطاع الاتّصال

 


 

أحلام بشارات

 

 

 

كاتبة فلسطينيّة، ومدرّبة متخصّصة في مجال الكتابة الإبداعيّة. لها مؤلّفات في القصّة القصيرة، والكتب المصوّرة، والروايات، والمذكّرات. تعدّ من الأسماء المهمّة في الكتابة لروايات اليافعين في العالم العربيّ. تُرجمت كتاباتها إلى لغات عالميّة كالإيطاليّة والإنجليزيّة والألمانيّة.